الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **
فـي المحرم منها رجع حسام الدين مهنا من مصر مكرماً ومات الأمير بدر الدين كيكليدي عتيق شمس الدين الأعسر بد مشق وخلف أولاداً وأملاكاً ومات الأمير بكتمر الحسامي بمصر. وجدد جامع قلعة مصر ومات الملك العزيـز ابـن الملـك المغيث ابن السلطان الملك العادل ابن الكامل كتب الكثير وعمر. وفيها في صفر وصل إلى دمشق كاتب السر القاضي جمال الدين عبد الله ابن القاضي كمال الدين ابن الأثير صاحب ديوان الإنشاء بدلاً عن شرف الدين حفيد الشهاب محمود. ومات شيخ المؤذنين وأنداهم صوتـاً برهـان الديـن إبراهيـم الوانـي سمـع مـن ابـن عبـد الدائـم وجماعة وحدث. ومات بدمشق المسند المعمر بدر الدين عبد الله بن أبي العيش الشاهد وقد جاوز التسعين سمع من مكي بن قيس بن علان وكان يطلب على السماع وتفرد بأشياء. ومات بدمشق تقي الدين عبد الرحمن بن الفويرة الحنفي. وفيها في صفر أمر السلطان بتسمير رجل ساحر اسمه إبراهيم. وفيها في ربيع الأول مات الشيخ أبو بكر بن غانم بالقدس وكان له مكارم ونظم. ومات المحدث أمين الدين محمد بن إبراهيم الواني روى عن الشرف ابن عساكر وغيره وكان ذا ومات نظام الدين حسن ابن عم العلامة كمال الدين بن الزملكاني وقد جاوز الخمسين وكان مليح الشكل لطيف الكلام ناظراً بديوان البر. ومات كبير المجودين الخطب بهـاء الديـن محمـود بـن خطيـب بعلبـك السلمـي بالعقبـة وتأسـف الناس عليه لدينـه وتواضعـه وحسـن شكلـه وبراعـة خطـه وعفتـه وتصونـه كتـب عليـه خلـق وكتب صحيح البخاري بخطه. وعمر الأمير حمزة بدمشق حماماً عند القنوات وأدير فيه أربعة وعشرون جاناً وأوجر كل يوم بأربعين درهماً وعظم حمزة وأقبل عليه تنكز بعد الدواتدار ثم طغى وتجبر وظلم وعظم الخطب به فضربه تنكز وحبسه ونقل إلى القلعة ثم حبس بحبس باب الصغير ثم أطلق أياماً وصـودر ثـم أهلـك سـراً بالبقـاع قيـل غـرق وقطـع لسانـه مـن أصلـه وهو الذي اتلف أمر الدواتدار وابن مقلد بن جملة وله حكايات في ظلمه ورفع فيه يوم أمسـك تسعمائـة قصـة وبولغ في ضربه ورمي بالبندق في جسده وما رق عليه أحد. قلت: لـو يفطـن العاتـي الظلـوم لحالـه لبكـى عليهـا فهـي بئـس الحـال يكفيـه شـؤم وفاتـه وقبيـح ما يثنى عليه وبعد ذا أهوال وفيها في ربيع الآخر توفي الفقير الصالح الملازم لمجالس الحديث أبو بكر بن هارون الشيباني وقدم على نيابة طرابلس سيف الدين طينال الناصري عوضـاً عـن أفـوش الكركـي وحبـس الكركي بقلعة دمشق ثم نقل إلى الإسكندرية. وفيهـا فـي جمـادى الأولـى مـات علاء الدين علي بن سلعوس التنوخي وقد باشر صحابة الديوان لدمشـق ثـم تـرك واحتيـط بمصر على دار الأمير بكتمر الحاجب لامي ونبشت فأخذ منها شيء عظيم. وفيها في جمادى الآخرة مات مشددار الطراز سيف الدين علي بن عمر بن قزل سبط الملك الحافظ ووقف على كرسي وسيع بالجامع. ومات ببعلبك الفقيه أبو طاهر سمع من التاج عبد الخالق وعدة وكتب وحدث وعمل ستر ديباج منقوش على المصحف العثماني بدمشق بأربعة آلاف درهم وخمسمائة. قلت: ستـروا المكـرم بالحريـر وستره بالدر والياقوت غير كثير ستروه وهو مـن الغوايـة سترنـا عجبـي لهـذا الساتـر المستور ومات فجأة التاجر علاء الدين علي السنجـاري بالقاهـرة وهـو الـذي أنشـأ دار القـرآن ببـاب الناطفانيين قلت: ما مات من هذي صفاته فوفاة ذا عندي حياتـه ومـات بمصـر الواعـظ شمـس الديـن حسيـن وهـو آخـر أصحـاب الحافظ المنذري سمع من جماعة وكان عالماً حسن الشكل. ومات الفاضل الأديب زكي الدين المأمون الحميري المصري المالكي بمصر ولي نظر الكرك والشوبك وعمر نحو تسعين سنة. وفيها في رجب مات الفقيه محمد بن محي الدين محمد ابن القاضي شمس الدين ابن الزكي العماني شابا درس مدة بدمشق. ومات الحافظ قطب الدين الكلبي بالحسينية حفظ الألفية والشاطبية وسمع من القاضي شمس الديـن بـن العمـاد وغيـره وحـج مـرات وصنـف وكـان كيسـاً حسـن الأخلـاق مطرحـاً للتكلف طاهر اللسـان مضبـوط الأوقـات شـرح معظـم البخـاري وعمـل تاريخـاً لمصـر لـم يتمـه ودرس الحديث بجامع الحاكم وخلف تسعة أولاد ودفن عند خاله الشيخ نصر المنبجي. وفيه أخرج السلطان من حبس الإسكندرية ثلاثة عشر نفـراً منهـم تمـر الساقـي الـذي نـاب بطرابلس وبيبرس الحاجب وخلع على الجميع وفيه طلب قاضي الإسكندرية فخر الدين بن سكين وعزل بسبب فرنجي. وفيها في شعبان مات المفتي بدر الدين محمد بن الفويرة الحنفي سمع وحدث. ومـات القاضـي زيـن الدين عبد الكافي بن علي بن تمام روى عن الأنماطي وأخذ عنه ابن رافع ومات عز الدين يوسف الحنفي بمصر حدث عن إبراهيم وناب في الحكم. وفيها في رمضان مات صاحبنا شمس الدين محمد بن يوسف التدمري خطيب حمص كان يفتي ويدرس. وتولى قضاء الإسكندرية العماد محمد بن إسحاق الصوفي. وفيها في شوال قدم عسكر حلب والنائب من غزاة بلد سيس وقد خربوا في بلد أذنة وطرسـوس وأحرقـوا الـزروع واستاقـوا المواشي وأتوا بمائتين وأربعين أسيراً وما عدم من المسلمين سـوى شخص واحد غرق في النهر وكان العسكر عشرة آلاف سوى من تبعهم فلما علم أهل إياس بذلك أحاطوا بمن عندهم من المسلمين التجار وغيرهم وحبسوهم في خان ثم أحرقوه فقل من نجا فعلوا ذلك بنحو ألفي رجل من التجار البغاددة وغيرهم في يوم عيد الفطر فلله الأمر. واحتـرق فـي حمـاة مائتان وخمسون حانوتاً وذهبت الأموال واهتم الملك بعمارة ذلك وكان الحريق عنـد الفجـر إلـى طلـوع الشمـس وذكـر أن شخصـاً رأى ملائكـة يسوقـون النـار فجعـل ينـادي أمسكوا يا عباد الله لا ترسلوا فقالوا أبهذا أمرنا ثم إن رجل توفي لساعته. وناب بدمشق في القضاء شهاب الدين أحمد بن شرف الزرعي الشافعي. وورد الخبر بحريق أنطاكية قبل رجوع العسكر فلم يبق بها إلا القليل ولم يعلم سبب ذلك. وفيها في ذي القعدة توفيت زينب بنت الخطيب يحيى ابن الإمام عز الدين بن عبد السلام السلمي سمعت من جماعة وكان فيها عبادة وخير وحدثت. ومـات الطبيـب جمـال الدين عبد الله بن عبد السيد ودفن في قبر أعده لنفسه وكان من أطباء المارستان النوري بدمشق وأسلم مع والده الذبان سنة إحدى وسبعمائة. ومات حسام الدين مهنا بن عيسى أمير العرب وحزن عليه آله وأقامـوا مأتمـاً بليغـاً ولبسـوا السـواد أنـاف علـى الثمانيـن. ولـه معـروف مـن ذلـك مارستـان جيـد بسرميـن ولقد أحسن برجوعه إلى طاعة سلطان الإسلام قبل وفاته وكانت وفاته بالقرب من سلمية. ومـات المحـدث الرئيـس العالـم شمـس الديـن محمـد بـن أبـي بكـر بـن طرخـان الحنبلي سمع من ابن عبد الدائم وغيره وكان بديع الخط وكتب الطباق وله نظم. وفيهـا فـي ذي الحجـة مـات الفقيـه الزاهـد شـرف الديـن فضـل بـن عيسـى بـن قنديل العجلوني الحنبلي بالمسماريـة كـان لـه اشتغـال وفهم ويد في التعبير وتعفف وقوة نفس عرض عليه خزن المصحف العثماني فامتنع رحمه الله تعالى. وفيها وصل الأمير سيف الدين أبو بكر الباشري إلى حلب وصحب معه الرجال والصناع وتوجه إلى قلعة جعبر وشرع في عمارتها وكانت خراباً من زمن هولاكو وهي من أمنع القلاع تسبب في عمارتها الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام ولحق المملكة الحلبية وغيرها بسبب عمارتها ونفوذ ماء الفرات إلى أسفل منها كلفة كثيرة. فيهـا في المحرم باشر السيد النقيب الشريف بدر الدين محمد ابن السيد شمس الدين بن زهرة الحسيني وكالة بيت المال بحلب مكان شيخنا القاضي فخر الدين أبـي عمـرو وعثمـان بـن الخطيب زين الدين علي الجبريني. وفيهـا فـي المحـرم نـزل نائـب الشـام الأمير سيف الدين تنكز بعسكر الشام إلى قلعة جعبر وتفقدها وقـرر قواعدهـا وتصيد حولها ثم رحل فنزل بمرج بزاعا ومد له نائب حلب الأمير علاء الدين الطنبغا به سماطاً ثم سافر إلى جهة دمشق. وفيهـا فـي صفـر طلـب من البلاد الحلبية رجال للعمل في نهر قلعة جعبر ورسم أن يخرج من كل قرية نصف أهلها وجلا كثير من الضياع بسبب ذلك ثم طلب من أسواق حلب أيضاً رجال واستخرجـت أمـوال وتوجـه النائـب بحلب إلى قلعة جعبر بمن حصل من الرجال وهم نحو عشرين ألفاً. وفيهـا فـي جمـادى الآخرة وصل البريد إلى حلب بعزل القاضي شمس الدين محمد بن بدر الدين أبـي بكـر بـن إبراهيـم ابـن النقيب عن القضاء بالمملكة الحلبية وبتولية شيخنا قاضي القضاة فخر الدين أبي عمر وعثمان بن خطيب جبرين مكانه ولبس الخلعة وحكم من ساعته واستعفيته من مباشرة الحكم بالبر في الحال فأعفاني وكذلك أخي بعد مدة فأنشدته ارتجالاً: جنبتني وأخي تكاليف القضاء وكفيتنا مرضين مختلفين يـا حي عالمنا لقد أنصفتنا فلك التصرف في دم الأخويـن وفيه أعني ذي الحجة توجه الأمير عز الدين أزدمر النوري نائب بهسني لمحاصرة قلعة درندة بمن عنده من الأمراء والتركمان وفتحت بالأمان في منتصف المحرم سنة سبع وثلاثين وسبعمائة. وفيهـا أعنـي سنة ست وثلاثين وسبعمائة توفي الشيخ العارف الزاهد مهنا ابن الشيخ إبراهيم ابن القدوة مهنا الفوعي بالفوعة في خامس عشر شوال ورثيته بقصيدة أولها: أسـأل الفوعـة الشديدة حزناً عن مهنأ هيهات أين مهنا أين من كان أبهج الناس وجهـاً فهو أسمى من البدور وأسنـى ومنها: أين شيخي وقدوتي وصديقي وحبيبـي وكل ما أتمنى جعفري السلوك والوضع حتى قال عبس عنه مهنا مهنا أي قلـب بـه ولـو كـان صخراً ليس يحكي الخنساء نوحاً وحزناً أذكرتنا وفاته بأبيـه وأخيه أيام كانوا وكنا وهي طويلة. كان جده مهنـا الكبيـر مـن عبـاد الأمـة تـرك أكـل اللحـم زمانـاً طويـلاً لمـا رأى اختلاط الحيوانات في أيام هولاكو لعنه الله وكان قومه على غير سنة فهدى الله الشيخ مهنا من بينهم وأقام مع التركمان راعياً ببرية حران فبورك للتركمان في مواشيهـم ببركتـه وعرفـوا بركته وحصل له نصيب من الشيخ حياة بن قيس بحران وهو في قبره وجرت له معه كرامات فرجع مهنا إلى الفوعة وصحب شيخنا تاج الدين جعفراً السراج الحلبي وتلمذ له وانتفع به وصرفـه مهنـا في ماله وخلفه على السجادة بعد وفاته ودعا إلى الله تعالى وجرت له وقائع مع الشيعة وقاسى معهم شدائد وبعد صيته وقصد بالزيارة من البعد وجاور بمكة شرفها الله تعالى سنين ثم بالمدينة على سكانها أفضل الصلاة والسلام وجرت له هناك كرامات مشهورة بين أصحابه وغيرهم منها أن النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه السلام من الحجرة وقال: وعليـك السلـام يـا مهنـا ثـم عاد إلى الفوعة وأقام بها إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى في المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة. وجلس بعده على سجادته ابنه الشيخ إبراهيم فسار أحسن سير ودعا إلى الله تعالى على قاعدة والده ورجع من أهل بلد سرمين خلق إلى السنة وقاسى من الشيعة شدائد وسببه قتل ملك الأمراء بحلب يومئذ سيف الدين قبجق الشيـخ الزنديـق منصـوراً مـن تـار وجـرت بسبـب قتلـه فتـن فـي بلـد سرميـن ولـم يـزل الشيـخ إبراهيـم علـى أحسـن سيـرة وأصـدق سريـرة إلى أن توفي إلى رحمه الله تعالى في ذي الحجة سنة ست عشرة وسبعمائة. وجلس بعده على سجادته ابنه الشيخ الصالح إسماعيل ابن الشيخ إبراهيم ابن القدوة مهنا فسـار أحسـن سيـر وقاسـى مـن الشيعـة غبونـاً ولـم يـزل على أحسن طريقة إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى في ثامن صفر سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة. وجلس بعده على السجادة أخوه لأبويه الشيخ الصالح مهنا بن إبراهيم مهنا إلى أن توفي في خامس عشر شوال سنة ست وثلاثين وسبعمائة كما مر وتأسف الناس لموته فإنه كان كثير العبادة حسن الطريقة عارفاً. وجلس بعده على السجادة أخوه لأبيه الشيخ حسن وكان شيخنا عبس يحب مهنا هذا محبة عظيمة ويعظمه ويقول عنه: مهنا مهنا يعني أنه يشبه في الصلاح والخير جده وهم اليوم ولله الحمد بالفوعة جماعة كثيرة وكلهم على خير وديانة وقد أجزل الله عليهم المنة وجعلهم بتلك الأرض ملجأ لأهل السنـة ولـو ذكـرت تفاصيـل سيـرة الشيـخ مهنـا الكبيـر وأولـاده و أصحابـه وكراماتهم لطال القول والله تعالى أعلم. وفيها مات القان أبو سعيد بن خربنده بن أرغون بن أبغا بن هولاكو صاحب الشرق ودفن بالمدينة السلطانية وله بضع وثلاثون سنة وكانت دولته عشريـن سنـة وكـان فيـه ديـن وعقـل وعدل وكتب خطاً منسوباً وأجاد ضرب العود. وباشتغال التتار بوفاته تمكنا من عمارة قلعة جعبر بعد أن كانت هي وبلدها داثرة من أيام هولاكو فلله الحمد. وفيها توفي بدمشق الإمامان مدرس الناصرية كمال الدين أحمد بن محمد بن الشيرازي وله ست وستون سنة وقد ذكر لقضاء دمشق ومدرس الأمينية قاضي العسكر عز الدين علي بـن محمـد بـن القلانسي وله ثلاث وستون سنة وناظر الخزانة عز الدين أحمد بن محمد العقلي بن القلانسي المحتسب بها. وفيهـا فـي ربيـع الأول توفي الأمير الشاب الحسن جمال الدين خضر ابن ملك الأمراء علاء الدين الطنبغا بحلب ودفن بالمقام ثم عمل له والده تربة حسنة عند جامعه خارج حلب ونقل إليها وكان حسن السيرة ليس من إعجاب أولاد النواب في شيء ومما قلت فيه تضميناً: منها خلقت فلم يسمح زمانك أن يشين حسنك فيه الشيب والكبر فإن رددت فما في الرد منقصة عليك قد رد موسى قبل والخضر وإن كان يضمن هذا التضمين القول بموت الخضر عليه السلام. وفيه باشر تاج الدين محمد بن عبد الكريم أخو الصاحب شرف الدين يعقوب ناظر الجيوش المنصورة بحلب فما هنئ بذلك واعترته الأمراض حتى مات رحمـه اللـه فـي سابـع جمـادى الآخرة من السنة المذكورة قلت: مـا الدهـر إلا عجب فاعتبر أسرار تصريفاته واعجب كم باذل في منصب ماله مات وما هنيء بالمنصب وباشر مكانه في شعبان منها القاضي جمال الدين سليمان بن ريان. وفيه في رمضان المعظم وصل إلى حلب من مصر عسكر حسن الهيئة قدمه الحاج أرقطاي وعسكر من دمشق مقدمهم قطلبغا الفخـري وعسكـر مـن طرابلـس مقدمـه بهـادر عبـد اللـه وعسكر من حماة مقدمه الأمير صارم الدين أزبك المقدم على الكل ملك الأمراء بحلب علاء الديـن الطنبغـا ورحـل بهـم إلـى بلـاد الأرمـن فـي ثانـي شـوال منهـا ونزل على ميناء إياس وحاصرها ثلاثة أيام ثم قدم سول الأرمن من دمشق ومعه كتاب نائب الشام بالكف عنهم على أن يسلموا البلاد والقلاع التي شرقي نهر جهان فتسلموا منهم ذلك وهو ملك كبير وبلاد كثيـرة كالمصيصة وكويرا والهارونية وسرفندكار وآياس وباناس وبخيمة والنقبر التي قدم ذكر تخريبها وغير ذلك. فخرب المسلمون برج آياس الذي في البحر استنابوا بالبلاد المذكورة نواباً وعادوا في ذي الحجة منها والحمد لله. قلت: وهذا فتح اشتمل على فتوح وترك ملك الأرمن جسداً بلا روح خائفاً على ما بقي بيده على الإطلاق وكيف لا ومن خصائص ديننا سرابة الأعناق فيا له فتحـاً كسـر صلـب الصليب وقطع يد الزنار وحكم على كبير أنامهم المزمل في بجاده بالخفض على الجوار والله أعلم. وفيها في ذي الحجة توفي الأمير العابد الزاهد صارم الدين أزبك المنصور الحموي بمنزلة نزلها مع العسكر عند آياس وحمل إلى حماة فدفن بتربته كان من المعمرين في الإمـارة ومـن ذوي العبـادة والمعـروف وبنـى خانـاً للسبيـل بمعـرة النعمـان شرقيهـا وعمـل عنـده مسجـداً وسبيلاً للماء وله غير ذلك رحمه الله ذكر لي جماعة بحلب وهو مسافر إلى بلاد الأرمن أنه رؤي له بحماة منام يدل على موته في الجهاد وحمله إلى حماة وحوله الملائكة. قلت: ولقد تجمل لهذا الجهاد وتحمل وتكلف لمهمة وتكفل حتى كأنه توهم فترة سلاحه عن الكفاح فرسم أن تحد السيوف وتعتقل الرماح فلاح على حركاته الفلاح وسيحمد سراه عند الصباح والله أعلم. وفيها وقف الأميـر الفاضـل صلـاح الديـن يوسـف بـن الأسعـد الدواتـدار داره النفيسـة بحلـب المعروفـة أولاً بـدار ابـن العديـم مدرسة على المذاهب الأربعة وشرط أن يكون القاضي الشافعي والقاضي الحنفي بحلب مدريسها وذلك عند عوده من بلد سيس صحبة العسكر منصرفاً إلى منزله بطرابلس. قلت: ولقد كانت الدار المذكورة باكية لعدم بني العديم فصارت راضية بالحديث عن القديم نـزع اللـه عنهـا لبـاس البـأس والحـزن وعوضهـا بحلـة يوسـف عـن شقـة الكفـن فكمـل رخامهـا وذهبها وجعل ثمال اليتامى عصمة للأرامل مكتبها وكملها بالفـروع الموصلـة والأصـول المفرعـة وجملها بالمرابع المذهبة والمذاهب الأربعة وبالجملة فقد كتبها صلاح الدنيا في صلاح الدين إلى يوم العرض وتلا لسان حسنها اليوسفي وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولما وقف الأمير صلاح الدين المذكور على هذه الترجمة تهلل وجهه وقال ما معناه يا ليتك زدتنا من هذا. وفيهـا توفي الشيخ الكبير الشهير المتزهد محمد بن عبد الله بن المجد المرشدي بقريته من عمل مصر له أحوال وطعام يتجاوز الوصف ويقال إنه كان مخدوماً قيل إنه أنفق في ثلاث ليال ما فيهـا فـي المحـرم توفـي ناصـر الديـن محمد بن مجد الدين محمد بن قرناص دخل بلاد سيس لكشف الفتوحات الجهائية فتوفي هناك رحمه الله تعالى ودفن بتربة هناك للمسلمين. وفيهـا فـي صفـر توفـي بـدر الديـن محمـد بن إبراهيم بن الدقاق الدمشقي ناظر الوقف بحلب وفي أيام نظره فتح الباب المسدود الذي بالجامع بحلب شرقي المحراب الكبير لأنه سمع أن بالمكان المذكـور رأس زكريـا النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم فارتاب في ذلك فأقدم على فتح البـاب المذكـور بعـد أن نهى عن ذلك فوجد باباً عليه تأزير رخام أبيض ووجد في ذلك تابوت رخام أبيض فوقه رخامة بيضاء مربعة فرقعت الرخامة عن التابوت فإذا فيها بعض جمجمة فهـرب الحاضـرون هيبـة لهـا ثـم رد التابـوت وعليـه غطـاؤه إلـى موضعـه وسـد عليه الباب ووضعت خزانة المصحف العزيز على الباب وما أنجح الناظر المذكور بعد هذه الحركة وابتلي بالصرع إلى أن عض لسانه فقطعه ومات. نسأل الله أن يلهمنا حسن الأدب. وفيها في أواخر ربيع الأول قدم إلى حلب العلامة القاضي فخر الدين محمد بن علي المصري الشافعي المعروف بابن كاتب قطلوبك واحتفل به الحلبيون وحصل لنا في البحث معه فوائد. منهـا قولهـم إذا طلـب الشافعـي من القاضي الحنفي شفعة الجار لم يمنع على الصحيح لأن حكم ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
|